Page 112 - Amna_ Hiat Arabic
P. 112
ُيج ِمـــع أغلب العلماء والمتخصصين أن العالم بعد جائحة فايروس كورونا المســـتجد تغطية خاصة
سيشـــهد تغييـــرات جذريـــة فـــي كثير مـــن المناحـــي بحيث لـــن يعود كمـــا كان قبل
جائحة كورونــا
هذه الجائحة.
وليـــس الأمر وق ًفا علـــى التغيرات التي حدثت وســـتحدث في القطـــاع الاقتصادي على وتصحيح المسار
إثـــر الخســـائر التـــي تكبدها قطـــاع المال والأعمـــال ،ولا اتجاهـــات الاســـتثمار وتفضيلات
التجـــارة ،ولا خارطـــة الصناعة وأولويـــات التصنيع ،التي ستشـــهد مراجعـــات تفضيلية أستاذ علم الاجتماع المشارك
مختلفة ليس على مســـتوى سباق التسلح والأســـلحة البيولوجية وقدرتها التدميرية
فقط ،ولكن على مســـتوى توظيـــف التكنولوجيا والتقنيـــات الصناعية في مثل هذه بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية
الكوارث والأزمات الإنســـانية على المســـتوى الطبي والعلاجـــي والوقائي ،هذا بالإضافة
إلـــى إدراك العالـــم لنتائـــج الأولويـــات التـــي كان يركـــز عليهـــا فـــي الجانـــب الاقتصادي د .وجدان التيجاني الصديق
112
والصناعي والاســـتثماري ،والتي ستشـــهد بلا شـــك إعادة فـــي ترتيبها.
وعلـــى الرغـــم مـــن أن كثيـــ ًرا مـــن المعنييـــن في الشـــأن الاقتصـــادي يجمعـــون على
تكشـــف الضعـــف والخلـــل فـــي النظـــام الرأســـمالي الـــذي تبـــ ّدى علـــى إثـــر الجائحـــة،
وضعـــف قدرته فـــي مواجهتها واحتواء آثارها الســـلبية ،والذي ســـيعيد النظر ليس
فـــي كفايـــة وصلاحيـــة النظـــام الرأســـمالي كنظـــام اقتصـــادي عالمـــي فقـــط ،ولكن
ســـيعيد النظـــر أي ًضـــا فـــي القواعـــد القيميـــة والأخلاقيـــة التي يقـــوم عليهـــا النظام
الرأســـمالي وجـــدوى تعظيـــم المنفعـــة الفردية في مقابـــل فناء المجتمعـــات وإزهاق
الأرواح ،الأمـــر الـــذي يفتـــح البـــاب لكثير مـــن التكهنات حول اســـتمرارية ســـيطرة هذا
النظـــام وفاعليـــة تطبيقه بعـــد ذلك.
كمــا أن الأمــر لا يقتصــر فقــط علــى التغيــرات المتوقعة فــي موازيــن القوة التــي اضطربت
على إثر الجائحة في العالم ككل ،ولا جدوى التحالفات السياســية التي ســيعاد النظر فيها
ليــس فقــط على مســتوى أوروبا ولكن علــى مســتوى كل التحالفات السياســية والأقطاب
بــارزي الأدوار فــي ميــدان السياســة العالمية ،إضافــة إلى المنظومــة الدفاعيــة الدولية التي
انكشــفت عــورة الاهتمــام بالجانــب العســكري والأمنــي فيهــا علــى حســاب الاهتمامــات
الإنســانية والطبيــة ومــا يرتبــط بها مــن بنى تحتيــة داخل تلك الــدول في المقــام الأول.
ليـــس ذلـــك فحســـب ،بـــل إن التغييـــر المتوقـــع ســـيطال حتـــى الاتجاهـــات الفكريـــة
والانتمـــاءات ال َع َقديـــة على مســـتوى العالـــم ،فالعلمانية والوجودية شـــهدتا انحســـا ًرا
فـــي مقابـــل اعترافـــات حتـــى الملحديـــن بوجـــود خالق ومدبـــر ،بحثـــوا عنـــه للاطمئنان
الروحـــي والـــذي هـــو أحـــد أبرز متطلبـــات المناعـــة الذاتيـــة فـــي مواجهة هـــذه الجائحة،
وقـــد شـــهدنا على مســـتوى العالـــم إقامة الصلـــوات والدعـــاء والتضرع في المســـاجد
والكنائـــس والمعابـــد في الباحـــات والميادين وداخـــل البيوت ،وكم قرأنا وســـمعنا عن
دراســـات بـــرزت عن النبـــي -صلى الله عليه وســـلم -ومعالجاته الحكيمـــة في التعامل
مـــع الوبـــاء على مســـتوى الحجر الصحـــي والعزل ،أو على المســـتوى الروحـــي والإيماني
ليـــس من المســـلمين ولكن مـــن غيرهم ،حتـــى الملحدين والمشـــككين الذين كانوا
ينـــادون فـــي الســـابق بالتحـــرر من الديـــن باتوا في ظـــل هـــذه الجائحة ينـــادون بأهمية
الديـــن في تحقيق الأمان النفســـي والاســـتقرار الروحـــي لمواجهة المـــرض وتعزيز جهاز
المناعـــة ،وكأن العالـــم كلـــه بـــات علـــى قلب رجـــل واحـــد تضر ًعا ودعـــاء وصـــاة للخالق
القهـــار رغـــم أنف الإلحـــاد والإنكار والشـــرك.
وفي السياق ذاته تكشفت كثير من العيوب في كثير من الأنظمة الاجتماعية والثقافية
من خلال القصور الذي تب ّدى في بعض وظائفها وأدوارها عبر أنساقها المختلفة.
وممـــا لا شـــك فيـــه أن هـــذه الجائحـــة اختبـــار وعبـــرة ورســـالة للبشـــرية ككل ،لـــن تمضي
دون تغيـــرات جوهريـــة في مســـتقبلها ،والســـؤال الذي يهـــم على الصعيد الشـــخصي:
مـــا الذي أحدثتـــه هذه الجائحة فـــي نفوســـنا وأفكارنا وتوجهاتنـــا وعلاقاتنا وســـلوكياتنا